بسم الله الرحمن الرحيم
أيها الأخوة المؤمنون ... من الحقائق المقطوع بها أن كل السعادة في القُرب من الله ، وكل الأمن والطمأنينة في طاعته ، وكل الرضا بقضائه وقدره مِن خلال مَعْرِفته ، وكل التفاؤل في المستقبل مِن خلال تعلُّق الأمل به .
الله هو كل شيء ، عنده السعادة ، وعنده الأمن ، وعنده التوفيق، وعنده الرضا ، وعنده كل ما تطمح إليه ، وفي البُعد عنه كل الشقاء ، وكل الإخفاق ، وكل الإحباط ، وكل القلق ، وكل التشاؤم ، هذا منطلق الدرس ؛ حقيقةٌ وحيدةٌ هي الله ، كل شيءٍ يقرِّبك مِنه هو تمام العقل ، والهدى ، والتوفيق ، والصواب ، والتفوّق ، والفوز ، والفلاح . كل شيءٍ يحجبك عنه ، أكرر : كل شيءٍ يحجبك عنه ، هو عين الخطأ ، والخلل ، والانحراف ، والشقاء ، والهلاك .
إذاً السعادة في القرب ، والشقاء في البعد ، السعادة في الطاعة ، والشقاء في المعصية ، الأمن في الطاعة ، والخوف فـي المعصية ، التوفيق في الطاعة ، والتعسير فـي المعصية ، هذه حقيقةٌ مقطوعٌ بها ، هذه الحقيقة ينبغي أن تكون أمام عين كل مؤمن ، من ابتغى أمراً بمعصيةٍ كان أبعد مما رجا ، وأقرب مما اتقى ، فحالة الإنابة إلى الله ، حالة الصُلح مع الله ، حالة الإحساس بطاعة الله ، حالة أن تكون في ظل الله ، حالة أن تكون مُخلصاً لله ، هذه حالةٌ لا تعدلها حالة ، ولا يعلو عليها أيّة حالةٍ يملِكها الإنسان ، وحالة البُعد ، والمخالفة ، والمعصية ، والجفوة ، والانحراف ، هو الشقاء بعينه . ولا تنسوا أيها الأخوة ؛ أن كل إنسانٍ على وجه الأرض ، الآن صار عدو بني البشر ستة آلاف مليون ، من شهر تقريباً أحدث إحصاء لأهل الأرض ستة آلاف مليون ، تأكّدوا أن ستة آلاف مليون جميعاً لهم هدفان أساسيان : السلامة والسعادة . والسلامة والسعادة تتحققان فـي طاعته ، وفي الإقبال عليه ، وفي القُرب منه ، وفي الإنابة إليه ، وفـي إقامـة حدوده ، وفـي المبادرة إلـى خدمة خَلْقِه ، والشقاء ، والقلق ، والخوف ، واليأس ، والضجر ، والملل ، والسأم في البعد عنه . موضوع الدرس اليوم ، ما الذي يحجب عن الله ؟ أيها الأخوة ... العوام لهم كلـمات يعجبني بعضها أحياناً ، يـقول لـك : الإنسان حكيم نفسه . في أُناس على مستوى الصحة : يقولون : هذه الأكلة لا تناسبني ، هذه الأكلة تعمل لي عسر هضم ، هذه الأكلة ثقيلة ، فهو يأكل أكلة خفيفة ، فيرتاح ، يداري جسمه مداراة عجيبة ، مثل هذا الإنسان حكيم جسمه ، فمن هذا الذي هو حكيم قلبه ؟ أنت من خلال التجربة مع الله ألا تعلم ما الذي يبعدك عن الله ؟ متى تُحجَب عنه ؟ متى تشعر بالجفوة منه ؟ متى تشعر أنك مطروحٌ مِن عنده ، متى تشعر أنك قريبٌ منه ؟ ألا تشعر ؟ إذا كان الإنسان لا يشعر فهذه مشكلة كبيرة جداً ، قال العلماء : المنافق يعيش أربعين سنة بحال واحد ، أما المؤمن يتنقّل في اليوم الواحد أربعين حالاً ، أليس هناك عمل أبعدك عن الله ؟ قمت لتصلي فرأيت الطريق غير سالك ؟ أليـس هناك عملٌ قربك إلى الله ؟ ماذا تشعر عقب إنفاق المال ؟ ماذا تشعر عقب أداء الصلاة المتقنة ؟ ماذا تشعر عقب قراءة القرآن ؟ ماذا تشعر إذا كنت صادقاً ، إذا رحمت إنسـانـاً ، إذا أنصفت إنساناً ، إذا أمـرت بالمـعروف ، إذا نهيت عن المنكر ، إذا أكرمت ضيفاً ، إذا لبّيت دعوةً ، إذا نطقت بالحق ؟ فمن اللازم بعد زمن من حضورك مجالس العلم ، أن تشع أنه صار لديك مقياس حساس : هذا العمل جعلني أقبل ، أما هذا العمل فجعلني أحجب عن الله عز وجل . أحياناً الإنسان ينساق مع مَن حوله ، ذكر لي أخ أنه بعد مـا اشترى هذا الجهاز حجب عـن الله ، وأصبحت صلاته شكلية ، إقباله شكلي ، ليس هناك أي حال بقلبه ، وعندما صرف هذا الجهاز من البيت عادت له أحواله التي حرمها .
قال لي أخ ثانٍ : صار عنده إطلاق بصر نوعاً ما في عمله ، هذا الإطلاق للبصر حجبه عن الله عز وجل ، فلما عاد إلى غض البصر ، شعر باتصالٍ بالله عز وجل .
أخوتنا الكرام ، أنا أخاطبكم واحداً واحدا : ألم يصبح عندك نوع مـن الميزان ، ما الذي يقربك وما الذي يبعدك ؟ ما الذي يسعدك وما الذي يحجبك ؟ فهذا موضوع درسنا : عشرة أشياء تحجب القلب عن الله. درسنا الماضي كان : عشرة أشياء ضائعة ؛ علمٌ لا يعمل به ، وعملٌ لا إخلاص فيه ، وعملٌ لا يطابق السُنَّة ، وقلبٌ فارغٌ من محبة الله ، وجسدٌ معطلٌ عن خدمة الخلق ، ووقتٌ ضائعٌ فيما لا يرضي الله، ومالٌ لا ينفق منه ، إلخ .. الدرس اليوم عشرة أشياء تحجب عن الله عز وجل : أكبر شيءٍ يحجبك عن الله فساد عقيدتك ، أضع بين أيديكم نموذج من هذه العقائد الفاسدة : إذا اعتقد المرء أن الله عز وجل خلق الإنسان ، وكتب عليه الكفر ، وأجبره على أن يعصيه ، وأماته كافراً ، وجعله في جهنم إلى أبد الآبدين ، مـن دون سببٍ مَن العَبد ، لأن الله عز وجل (كما يتوهَّم) يقول : لا يسأل عـما يـفعل ، وعدلـه غير عدلنا ، وقبضةٌ إلى الجنة ولا أبالي ، وقبضةٌ إلى النار ولا أبالـي ، والإنسان حينما يخلق يكتـب أجلـه ، ورزقه ، وشقيٌ أو سعيد ، وانتهى الأمر ، ولكـن فيمَ العمــل ؟ اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خُلِقَ لـه ، إنسان أمام هذه العقيدة الجَبْريّة ، أمام الشعور أن الله عز وجل قدّر على إنسان أن يكون كافراً دون سببٍ منه ، وأجبره على أن يشرب الخمر وأن يزني ، ثم أماته كافراً ، ثم وضعه فـي نارٍ إلى أبد الآبدين ، فماذا تفعل ؟ مثل هـذه العقيدة تُحجبك عـن الله قطعاً ، أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به..(سورة الفتح : من آية : "6 " )
يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية ، هذا أكبر حجاب عن الله ، لذلك أخطر شيء في حياة المسلم عقيدةٌ فاسدة ، تَلَقَّفها دون أن يمحّصها، تلقفها دون أن يدقق فيها ، لهذا العلماء قالوا : لا يمكن أن تقبل العقيدة تقليداً ، ولو قُبِلَت العقيدة تقليداً لكـان كل أهل الفرق الضالة معذورون عند الله ، لأن العقيدة ، لابد أن يكون أساسها صحيحاً سليماً ؛ أمـا أن تقول : يا ربي فلان قال لي كذا فصدقته ، لا ثم لا .. قال تعالى :(سورة محمد )
لم يقل سبحانه : فقُل . بل قال : فاعلم .
أيها الأخوة ... أكبر حجابٍ بينك وبين الله سوء الظن به ، بل إن أكبر معصيةٍ على الإطلاق تفوق الإثم والعدوان ، والفحشاء ، والمنكر ، والكفر ، والشرك ، أن تقول على الله ما لا تعلم ، بل قال العلماء : إن العوام لأن يرتكبوا الكبائر أهون مِن أن يقولوا على الله ما لا يعلمون ، وإن هذا العلم دين فانظروا عمن تأخذون دينكم .."
ابن عمر دينكَ دينك إنه لحمك ودمك " .( من كنز العمال : عن " ابن عمر " )
أحياناً يقول لك أخ : فلان خاف من الله ، خاف منه خوفاً شديداً ، فأبقى أمواله في البيت ، فجاء مَن قتله وأخذ الأموال ، أما الذي لم يخف من الله ، سلمت أمواله ، وسلم صاحبها ، ما قولك؟ هكذا يعامل الله تعالى من خافه ؟! هناك قصص لها فعل الكُفر تماماً ، هـناك قصص تؤكِّد فحواها أن الله ليس بحكيم ، وليس بعادل ، أكبر حجابٍ بينك وبين الله أن تسيء الظن به ، أكبر حجاب بينك وبين الله أن تظن به ظن الباطل ..سورة آل عمران ) " )
هذا أكبر حجاب ، لذلك صححوا عقيدتكم ، واعلم أن الله عز وجل كامل كمالاً مطلقاً ، ولا تَقبل عليه ظلماً ، تجده يقول لك :
( سورة الشمس )
والله بين تفسيرين ما بين الكفر والإيمان ، إذا فهمت أن الله خلق في النفس الفجور ، فو الله هذا كفر ، أما إذا قلت إن الله فطرها فطرةً تعرف فجورها من تقواها ذاتياً ، فهذا كمال ، هذا عين الكمال ، أعطاك مُشْعِر ذاتي ، لا تحتاج إلى مَن يُعَلِّمك ، حينما تخطيء تدرك أنـك مخطيء مباشرةً ، ذاتياً . أحياناً يقول لك : المؤمن يدخل الجنة وإن زنا وإن سرق ، يفهمها بعض العوام ، وإن يزني لا ، لكنها : وإن زنا ، إذا كان قد زنا في الماضي ، في جاهليته وتاب الله عليه ، يدخل الجنة ، يفهمونها ولو كان زانياً يدخل الجنة ، مسافةٌ كبيرة جداً قال تعالى : ( (سورة الفرقان : من آية : " 68 " )
لذلك فهم النصوص شيء مهم جداً ، فالله عز وجل ذكر فـي القرآن : أن الله علَّم يوسف عليه السلام مِن تأويل الأحاديث ، فكل ظنٍ سيّءٍ بالله عز وجل ، يحجبك عن الله ، كل عقيدةٍ فاسدةٍ تحجبك عن الله ، كل اتهامٍ لله ضمنيٍ بالظلم أو عدم الحكمة يحجبك عـن الله ، حسن الظن بالله ثمن الجنة ..
(سورة الفتح : من آية : "6 " )
الحجاب الثاني : حجـاب الشرك ، والشرك كما تعلمون ، شركٌ جليٌ وشركٌ خَفِيّ ، من يعبد إلهاً صنماً . فقد كنت في أمريكا ، فأخذني صديقٌ لي إلى معبد لطائفة الهندوس ، معبد ضخم جداً ، تكَّلَف ستة ملايين دولار يقع في ضاحية من ضواحي لوس أنجلوس ، المدخل مخيف ، أقواس ، وزخـارف رائعة جداً ، وفي صدر هذا البناء غرفةٌ فيها صَنَمٌ كبير ، مصنوع من البرونز ، وقد طُعِّم بالذهب الخالص ، وامتلأ صدر هذا الصنم بالألماس ، من أرقى أنواع الألماس ، فهذا الصنم وحده كَلَّف ملايين مملينة وصنمان آخران ، ورأيت واحداً من أتباع هذا الدين ، ينبطح على الأرض بكامله ، انبطاحاً كاملاً ، فهذا هو السجود لهذا الصنم ، وقيل لي إن بعضهم مثقفون ، ورأيت في مدخل هذا المعبد كسارة لجوز الهند ، سألت : لماذا هذه الكسارة ؟ قال : هذه لأن الإله يحب جوز الهند ، تكسر له حبات جوز الهند ، وتقدم له مساءً يأكلها بالليل . هذا الصنم من البرونز يأكل بالليل ، هذا اسمه شرك جلي . أما المليار ومئتا مليون مسلم ، قد لا ينجو إلا قلة منهم مِن الشرك الخفي ، قال تعالى :
( سورة يوسف )
لمجرد أن تعتمد على إنسان مِن دون الله ، لمجرد أن تضع أملك بإنسانٍ مِن دون الله ، لمجرد أن تتوهم أن زيداً يرفعك ، وعُبيداً يخفضك ، وأن فلاناً يرزقك ، وأن عِلاناً يحرمك ، هذا شرك .." أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي ، أما إني لست أقول إنكم تعبدون صنماً ولا حجراً ، ولكن شهوةٌ خفية وأعمالٌ لغير الله " . هذا حجاب الشرك ، فالتوحيد التوحيد ..
( سورة الشعراء )
والشـرك الخفي مخيف ، وعقابه أليمٌ وشديد ، لأن الله يؤدّب من أشرك به ، وقد يُحْبِطُ عمله .
الحجاب الأول : العقيدة الفاسدة ، سوء الظن بالله .
سورة آل عمران : من آية : " 154 " ) )
والحجاب الثاني : الشرك الخفي . معتمد على إنسان ، وقد تعتمد على مالك ، ومَن اعتمد على ماله ضَل ، وقد تعتمد على خبرتك ، وقد تعتمد على ذكائك ، وقد تعتمد على أتباعك ، وقد تعتمد على نَسَبِك ، وقد تعتمد على رصيدك في البنك ، كله شركٌ خفي ، ينبغي أن تعتمد عـلى الله ، وقد تعتمد على إنسانٍ قوي ، تظن أنك في مأمنٍ حينما تتصل بـه هاتفياً ، هذا أيضاً شرك ، المؤمن الصادق لا يعتمد إلا على الله ، فـالشرك الخفي ، حجابٌ يحجبك عن الله . المشـرك يمشي في طريق مسدود ، لأن هذا الذي أشركته مع الله لا يملك لك نفعاً ، ولا ضراً ، ولا موتاً ، ولا حياةً ، ولا نشوراً ، ضعيفٌ مثلك . هناك حجابٌ ثالث : حجاب البِدَعِ القولية . فهناك أقوال يقولها العامة ما أنزل الله بها من سلطان ، ليس لها أصل في الدين ..
ـ يقول لك : الله عز وجل يعطي الحلاوة لمن ليس له أضراس . ما هذا الكلام ؟ هذه بدعة قولية . ـ أو يقول : امش بجنازة ولا تمش بجوازة . هذه بدعة قولية ليس لها أصل .
ـ أو يقول : سلامتك يا رأسي . أي عليك أن تنجو بنفسك ولا تعبأ بأحد . ونسوا : ومن لم يحمل همّ المسلمين فليس منهم .
ـ أو يقول لك : الناس " لا يتشاكلوا " ، " الذي يخالط الناس ويصبر على أذاهم خيرٌ ممن لم يخالطهم ولم يصبر على أذاهم " . هذا كلام النبي ( من الجامع لأحكام القرآن )
ـ أو يقول : أنا حلفت يمين ألا أخدم إنساناً . ولكن النبي قال :
"
اصنع المعروف مع أهله ومع غير أهله ، فإن أصبت أهله أصبت أهله ، وإن لم تصب أهله فأنت أهله " .( من الجامع الصغير : عن " علي " )
آتيكم بأقوال كلها بدع قولية ، بدع قولية ما أنزل الله بها من سلطان كلام غير صحيح ، كلام غير متوازن ..
ـ يقول لك : طاسات معدودة بأماكن محدودة . فهذا الإنسان شارب الخمر ليس له ذنب ، مقدر عليه أن يشرب الخمر عدد مـن الطاسات بمكان محدد ، هذه كلها بدعٌ قوليةٌ تحجب عن الله عز وجل . ـ إذا شفت الأعمى طبه مالك أرحم من ربه . أهذه آية أم حديث ؟ هذا كلام فارغ ، البدع القولية تحجب عن الله عز وجل .
تجعل الإنسان أنانياً ، منافقاً ، شديد الخوف ، جباناً ، هلوعاً ، منوعاً ، جذوعاً . ـ خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود . أيْ إياك أن تنفق .
ـ الدراهم مراهم . فهذا شرك خفي ، قالها واحد ، فأذاقه الله مصيبة والله تدع الحليم حيران ، ولا تحل بالمال ، وهـو غني جداً ، قال: الدراهم مراهم ، ينحل كـل شيء بالدراهم . قعد بالزنزانة ستين يوماً ، تفضل حلها بالدراهم ، ما دام معك أنت مراهم ، هذه كلها بدعٌ قولية تحجب عن الله عز وجل . أول حجاب : العقيدة الفاسدة ، ثاني حجاب الشرك الخفي ، ثالث حجاب البَدع القولية ...
رابع حجاب : البدع العملية . ـ ليس هناك اتفاق بين الزوجين ، نحضر ملح ، نذوبه بالماء ، ونسكبه بطريقهم .
ـ أو تحضر بقلة ، وتسلقها ، وتتغسل فيها ، فيصبح ود بين الزوجين والله المجتمع ممتلئ بالبدع العملية .
ـ لازم تحضر قماشة ، تربطها على شباك ولي ، وتمسك هذه النافذة وتهزها وهي تقول : يا سيدي فلان أريد ولد . لأن سيدها فلان إله ! ! أليس سيدها فلان عبداً مِن عباد الله ، مات وانقلب إلى عمله . ـ راقب ؛ أول خميس ، وثاني خميس ، وثالـث خميس ، والأربعين والسنوية ، وثـلاثة سنوات لابسة أسود ، أخته ، أعمت قلب زوجها ، ثلاث سنين تلبس الأسود ، هذه كلها بدع ، لا يحل لامرأةٍ أن تحد على غير زوجها أكثر من ثلاثة أيام ، الزوجة موضوع ثانٍ ، فهذه طقوس الحزن . ـ أما طقوس الفرح : لازم ينصمد العريس أمام المدعوات اللواتي هُنَّ في أبهى زينة ، وإذا لم ينصمد معناها أنه أعور ، فيه عيب ، لـكي يبريّء نفسه من العَوَر والدمامة لازم ينصمد أمامهم ، ويجب أن نصور الحفل ، يجب أن تأتي مصورة تصور أولئك النساء بأبهى زينة ، ويجب أن يؤخذ الفيلم ويعرض بهذه البيوت ، وتخبر النساء الرجال أن هذه زوجة فلان ويقول الرجال : هذه زوجة فلان جميلة ، والله عرف ينتقي ، يجب على هذه المرأة السافرة التي تلبس لباساً فاضحاً ، يجب أن ينظر إليها كـل الرجال في الفيلم . ـ يقول : ناقدوهم ما هذا ألا يوجد لديكم بالعرس تصوير فيديو ؟ هذا حال الناس ، هذه بدع عملية ما أنزل الله بهـا من سلطان ، بالحفلات ، بالأعراس ، بالمآتم ، بالمآسي ، بالسفر . ـ يجب أن يضع حذوة حصان على ظهر السيارة ، وإذا وضع حذوة فلا على السيارة من بأس ولو على ركابها .
ـ يضع مصحف بالسيارة ويسب الدين ، ما هذا المصحف الذي تضعه ؟ مئات بل ألوف البِدَع العملية تُهَيْمِن على المسلمين ، وهي تحجبهم عن الله عز وجل ، . حجاب البدع العملية :
ـ يجب على الإنسان أن يقفز ( ينط ) لكي يصير مع الله هذا ما يجري في حفلات الذكر والشيس ؛ لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه ، لا داعيَ لأن تنط ، لم يفعل هذا النبي عليه الصلاة والسلام .
البدع القولية : ـ القرآن مخلوق ، عصور عانت ما عانت من هذه المقولة البدعية : القرآن مخلوق يرد عليهم آخرون ، لا . غير مخلوق ، فيرد الأوائل لا مخلوق ، دخل علماء السجن ، وكفر أناس ، وإلخ .. بدع قولية ، هل عالجها الصحابة الكرام ؟ هل فعل هذا أصحاب النبي ؟ هل جاءوا بشيء جديد ؟ هذا الحجاب الرابع . العقيدة الفاسدة هي الحجاب الأول ، والشرك الخفي هو الحجاب الثاني ، والبدعة القولية هي الحجاب الثالث ، والبدعة العملية هـي الحجاب الرابع .
الحجاب الخامس : حجاب أهل الكبائر الباطنة ؛ لديهم كبر ، هـناك كبائر باطنة غير ظاهرة ، الشعور أنك وحدك المُهْتَدي ، وأن الله لك وحدك ، وأن الجنّة لك وحدك ، وأن كل هؤلاء الناس الذين ليسوا عـلى شاكلتك ، ضالون ، ضائعون ، مصيرهم إلى النار ، هذه أكبر بدعة باطنة ، من الكبائر الباطنة : أن تتوهم أنك وحدك الناجي ، وأن تسيء الظن بالناس ، وأن تقول : هلك الناس ، ومن قال : هلك الناس فهو أهلكهم ، أيْ هو أشدهم هلاكاً ، أو هو الذي أهلكهم وهم ليسوا كذلك ، فهو أهلكَهم ، أو أهلكُهم . ـ أهل الكبر . وهو في طاعة الله متكَبِّر ، حـتى قال الإمام ابن عطاء الله السكندري : "
رب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خيرٌ من طاعةٍ أورثت عزاً واستكباراً " . فيه كبر ، وفيه عُجب ، الكبر على الآخرين ، أمـا العُجْب : يتيه بنفسه ، فيه رياء ، فيه حسد ، فيه فخر ، و خُيَلاء ، و اعتزاز بقيم جاهلية : أنا ابن فلان . خير إن شاء الله . دخل على النبي رجل أصابته رعدة من شدة هيبته ، قال : "
هون عليك إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش ـ ما قال له : أنا هاشمي ، من بني عدنان ، جدي قصي ، قال له : إنما أنا ابن امرأةٍ من قريش كانت تأكل القديد بمكة " .( من الدر المنثور : عن " جرير " )
لديه خيلاء بالنسب ، وخيلاء بالمال ، أنا أكثر منك مالاً وأعز نسباً يقول لك : أنا عندي أموال لا تأكلها النيران ، وربنا عز وجل له حِكَم كبيرة جداً ... شخص لـه عمل تجاريّ بالمنطقة الحرة وعمله رائج جداً ، طلبات وبيع، وشراء ، ملايين بين يديه ، جاءه مهندس ، مؤمن ، شاب منضبط ، يخطب ابنته ، كَشَّر ، وقال له : كم دخلك في الشهر ؟! أعطاه رقماً جيداً جداً ، قال له : هذا لا يكفي ابنتي يوماً واحداً ، فطرده بأن قال له : ليس لك عندنا اليوم نصيب .
والله أحد إخواننا حدثني بقصته وهو قريب له. قال لي : بقدرة قادر توقفت المنطقة الحرة ، وهو طالب طلبات وعليه التزامات مالية فلكية ، وتوقف عمل المعامل ، ومُنع من بيع بضاعته ، وأفلس . فجاء قريبه الـذي كان وسيطاً في خطبة ابنته ، قال له : صاحبك الذي جاء ذات مرة وخطب ابنتي ذاك المهندس ، هل تزوج ؟ فقال له : لا ، قال له : هل تستطيع أن تقنعه أن يخطبها مرة ثانية ؟ قال له : أحاول أن أقنعه . أقنعه ، وخطبها ، وتزوجها ، واشتغل عمه عنده محاسباً ، وخلال سنتين ؛ تحوّل من ملايين مملينة بين ديه ، ومـِن كِبر فيه إذ رفض خاطب ابنته المؤمن، الطيب ، المتواضع المهندس ، ثم أصبح يعمل عند صهره محاسباً ، فالله كبير .
فهذه عاقبة الكبر ، هذا حجاب أهل الكبائر الباطنة ، الكبر ، العُجب ، الرياء ، الحسد ، الفخر ، الخيلاء ، التوهّم أنك فوق الناس ، الناس كلهم ضائعون ، هذا كبر ، هذا عجب ، هذه كبائر باطنة تحجب عن الله عز وجل ، ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرةٍ مِن كبر . ذكرت مرة من باب الطرفة : أن الإنسان يأتيه ضيوف أحياناً ، يأتيه عشرون رجلاً مثلاً ، ولا يوجد عنده شيء لضيافتهم ، فوجد في البراد كيلوين من اللبن ، فقال لزوجته : ضعي خمسة أمثالهما ماءً وملحاً وضعي ثلجاً ليصبح " عيران " ، لكيلوين مـن اللبن أُضيف لهما عشرة كيلو من الماء ، هذا شراب لذيذ ، والعيران شيء طيّب ، هذا من الكيلوين من اللبن لو أصابهما نقطة بترول ، نقطة زيت كاز ، هل يشربان ؟ لا ، لكنهما قبلا خمسة أضعافهما ماءً ، وكذلك الكبر يفسد العمل ، كما يفسد الخل العسل . فالذي عنده كبائر باطنة ؛ كالكبر ، والعجب ، والرياء، والحسد ، والفخر ، والخيلاء ، والتوهم أنك على الحق وحدك والناس كلها ضائعة ، هذا أيضاً حجابٌ يحجبك عن الله عز وجل . الحجاب السادس : حجاب أهل الكبائر الظاهرة ؛ أيْ له مخالفات، لكن العجيب أن حجاب أهل الكبائر الظاهرة رقيق ، وحجاب أهل الكبائر الباطنة ثخين ، أيهما أهون ؟ الكبائر الظاهرة أهون ، معصية واضحة ، يتوب منها الإنسان ، أما الكبر جبلّة في النفس ، شعور مستمر ، أخطر ذنب هو الذنب الذي لا تعرفه ذنباً ، أخطر مرض هو المرض الذي ليس له أعراض ، أخطر ذنب ، هو الذنب الذي لا تشعر به ، يتسلل خفية ، لذلك الكبائر الباطنة قلّما يتوبُ صاحبها ، لأنه يتوهّم أنه على حق ، أمـا الكبائر الظاهرة ، سُرعان ما يتوب صاحبها ، ليست مشكلة ، إنسان نبهه بأن فيه كبر فيتوب ، حجاب أهل الكبائر الظاهرة . قال : حجابهم أرق من حجاب إخوانهم ، من أهل الكبائر الباطنة مع كثرة عبادتهم ، عبادة كثيرة جداً وكثيفة جداً ، وقوية جداً ، مع مكبر باطن ، صاحبها أبعد عن الله عـز وجل مِن إنسان عباداته متوسطة ، بسيطة ، لكن عنده تواضع لله عز وجل . قال : أهل الكبائر الظاهرة أدنى إلى السلامة مِن أهل الكبائر الباطنة وقلوب أهل الكبائر الظاهرة خيرٌ مِن قلوب أهل الكبائر الباطنة. على كل حال كبائر ؛ ظاهرة وباطنة ، وشرك ، وبدع قوليةٌ ، وبدعٌ عملية ، وكل محدثةٍ بدعة ، وكل بدعةٍ ضلالةٍ ، وكل ضلالةٍ في النار ، أما أن يُحْجَبَ الإنسان عن الله عز وجل للصغائر ، فهذا مغبون جداً .
قال له : تحلف يميناً على أنك شهدت شيئاً لم تشهده ؟ قال له : أحلف ، ولكن أريد خمسة آلاف . قال له : لا بأس ، أعطيك خمسة آلاف ، جاء للمحكمة فوجد مصحفاً أمام القاضي ، قال له : ضع يدك على هذا المصحف . فوقف دقيقة ، ثم جاء للموكل قال له : أريد عشرة آلاف، لأنني سأحلف يميناً ، على المصحف ، هذه أغلى . فالحلف على المصحف كبيرة تحجب الإنسان عن ربه . يقول عليه الصلاة والسلام :
" إن الـشيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك ، مما تحقرون من أعمالكم ". يصـافح امرأة ، ويقول : هل ستأكلني ؟ لا ليست ستأكلك ، مرة جاءني سؤال من أخت في أمريكا ، تقول : لماذا المصافحة حرام ؟ قالت : نحن نُحْرَج كثيراً في أعمالنا ، قضية عدم المصافحة مشكلة كبيرة في حياتنا ، فلماذا هي حرام ؟ وماذا ينتج لو أننا صافحنا ؟ أجبتها جواباً دعوياً لا جواباً شرعياً ، قلت لها : "
فيما أعلم أن الملكة " أليزابث " لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال لنص القانون البريطاني ، لأنها ملكة ، ولعلو مقامها ، لا يمكن أن يصافحها كل الرجال ، بـل سبعة رجال محدودون ، بحسب النظام والقانون البريطاني ، والمرأة المسلمة ملكة ، لا يمكن أن يصافحها إلا سبعة رجال بحسب القانون القرآني " . أحياناً يأتي القاضي إلى بيت المرأة المسلمة ليستمع إلى شهادتها، المرأة مُعَظَّمة جداً في الإسلام ، مكرمة جداً ، لكن المسلمين حينما جهلوا حقيقة دينهم ظلموا المرأة ، فلما استعملوا الطلاق التَعَسّفي استعمالاً ظالماً، طلقوها لأتفه سبب ، وهدّموا بيوتهم لأتفه سبب ، أو امتنعوا عن تطليقها للإضرار بها ، جاء مَن يُطالب بالخُلع دون أن تشترط موافقة الزوج ، وهذه قضيةٌ أثيرت أخيراً في مصر ، إثارةً كبيرةً جداً ، وصدر قانون الأحوال الشخصية : يسمح للمرأة أن تطلب من القاضي أن تُخْلَع مِن زوجها مِن طرف واحد دون موافقة الزوج . ولهذا الموضوع بحث طويل ، أرجو الله سبحانه وتعالى أن يمكنني أن أعالجه في دروسٍ قادمة . هذه الصغائر حجاب أيضاً لقول النبي عليه الصلاة والسلام :
" لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ "(من زيادة الجامع الصغير : عن " أنس " )
فأوضح مثل للصغيرة : أنت راكب سيارة ، والطريق عريض جداً ، عرضه ستين متراً، في بعض البلاد شارع الستين في جدة ، ما معنى شارع الستين ؟ أي عرضه ستين متراً ، طريق عرضه ستين متراً، عن يمينه وادٍ سحيق ، وعن يساره وادٍ سحيق ، فإذا أنت ركبت مركبة ، وثبَّت المقود بانحراف قدره ميلي واحد ، ففي النهاية على الوادي ، الميلي صغيرة ، ولكن لو ثبتها على الوادي ، الكبيرة تسعين درجة فجأةً ، على الوادي رأساً ." لاَ صَغِيَرَةَ مَعَ الإِصْرَارِ ، وَلاَ كَبِيرَةَ مَعَ الاسْتِغْفَارِ "( من زيادة الجامع الصغير : عن " أنس " )
لـو لويت المقود تسعين درجة ، ثم انتبهت ، فأرجعته فقد أدركت نفسك وأنقذتها من الخطر ، الطريق عريض وأدركت السلامة ، إذاً حجاب أهل الصغائر .
" إن الشـيطان يئس أن يعبد في أرضـكم ولكن رضي فيما دون ذلك ، مما تحقرون من أعمالكم ". يرونها ذنوباً صغيرة فهم مقيمون عليها ، فالناس مثلاً يظنون أن اللعب بالنرد صغيرة ، " دق طاولة " ، لعبنا ماذا حدث ؟ ضاق خلقنا ، تسلينا ..قلا عليه الصلاة والسلام :
"
من لعب النرد ، فكأنما غمس يده في لحم خنزير ودمه " .( من مختصر تفسير ابن كثير " أبي موسى الأشعري " )
الحديث صحيح ، ولعبة النرد قديمة جداً ، أن تملأ عينيك من الحرام ، وأن تظن هذا من الصغائر ، أن تكذب كي تُضْحِك الناس وتظن أن هذا من الصغائر، أن تقلِّد إنساناً في مشيته وفي حركته ، أن تقلِّد امرأةٌ امرأةً هذا كله يحجب عن الله قالت له : فلانة قصيرة ، قال " يا عائشة لقد قلتِ كلمةً لو مزجت بمياه البحر لأفسدته " . فالصغائر تحجب أيضاً .
الآن .. حجاب أهل التوسع في المُباحات : اشترى بيتاً بـلاطة كاملة ، بأحد أبنية شارع برنية ، بلاطة كاملة : بيتان كل بيت مساحته مئتان وعشرون متراً ، مجموعهما أربعمئة وأربعون متراً ، بيتان جاهزان على المفتاح ، كَسَّر البلاط ، قلع السيراميك ، نزع الخشبية ، رجَّع البيت على العظم ، واشتغل فيه سنتين كاملتين ، كل شـيء من أحدث نوع ، وأغلى نوع ، وأجمل شيء ، وبالبناء لا يوجد مصعد ، فيصعد كل يوم اثني عشر طابقاً على الدرج ، بعد ما انتهى البيت ، وضع طاولة من الرخام الأونكس ، زين ، وضع ألمنيوم برونز ، عمل جبصين ، مطبخ نفضه ، أحياناً يكون النفض من نفض البدن ، فيقول : نفض بيته ، أيْ انتفض بدنه ، أقسم لي جاره ، وهو أحد اخوتنا : في اليوم الذي انتهى من كسوة البيت وافته المنية . والله طيلة سنتين يصعد ، اثني عشر طابقاً ، فالبناء بلا مصعد ، رجّع البيت على العظم ، كله كسره ، لأن ذوقه رفيع جداً ، و" سيشيع إلى مثواه الأخير " ، هكذا مكتوب على كل النعوات ، معنى هذا أن البيت الذي تسكنه مثوىً موقَّت ، العبرة أن تنوّر القبر بعملك الصالح ، هذا التوسّع في المباحات استهلك وقته وجهده وحجبه عن ربه بلا معصية . والله من فترة قريبة كنت في تشييع جنازة ، وقفت أمام القبر ، قلت : سبحان الله ، الإنسان منا ليحاسب نفسه هل يحتاج هنا إلى معجونة للقبر أو تحتاج إلى تصليحة فيه ، أنت عندك رغبة بالكمال ، ولكن ضع في حسابك أن هذا القبر نهاية المصير أرجوكم هل يوجد قبر من نوع خمس نجوم ؟ والله ما سمعت بقبر خمس نجوم ، ولا أربع ولا ثلاث ، ولا نجمان ولا واحد ، ولكن هناك نجوم الظهر ، يدفن ساعة وجودها . و القبر صندوق العمل . إذاً عند كثيرين منا حجب وهي التوسع بالمباحات ليس عندنا أية معصية ، ولا صغائر ، ولا كبائر ، لا كبائر باطنة ، ولا كبائر ظاهرة ، ولا بدع عملية ، ولا بدع قولية ، ولا شرك ، ولا عقيدة زائغة ، كله والحمد لله . كامل ولكن توسع بالمباحات ، عندما يئس الشيطان من هذا الإنسان أن يحمله على الكفر ، وجد عنده إيماناً بالله قوياً ، فلما يئس أن يحمله على الشرك ورأى أن توحيده قوي ، فلما يئس أن يحمله على الكبائر وجد عنده استقامة ، فلما يئس أن يحمله على الصغائر وجد عنده ورعاً ، فلما يئس مِنه أن يبتدع رآه من أهل السُنّة ، فلما يئس ، فلما يئس بقي عنده ورقةٌ رابحة هي : المباحات . والله أيها الأخوة ، أدخل إلى بيوت بحكم التعزية ، يكون قريب لأحد إخواننا يقول لك : مات خالي ، مات عمي ، أذهـب لكي أعزي ، أجد بيتاً ثمنه سبعون مليوناً فما فوق ، أين صاحبه ؟ بالباب الصغير .
والله مرة كنت في حلب ، الذي دعاني إلى هناك قال لي : سأريك بعض أحياء حلب ، أخذني إلى حي في حلب اسمه حي الشهباء ، أرقى حي عندنا يعتبر أكواخ أمام هذا الحي ، أرقى حي فـي دمشق إذا قست هذه البيوت بتلك البيوت ، فالبيوت فيه قصور ، اطلعت على قصر، وهذا كان في العام أربعة وسبعين ـ هذه القصة قديمةً جداً ، من خمسة وعشرين سنة ـ لون القصر أبيض ، على النمط الصيني ، وقتها كان الدولار بثلاث ليرات ، كـلف بناؤه خمسةً وثلاثين مليوناً ، الآن يكلف سبعمئة مليون ، صاحبه توفي في الثانية والأربعين من عمره ، وكـان طويل القامة ، والقبر كان قصيراً لحكمةٍ أرادها الله ، فلما وضع في القبر ، لم يسعه القبر ، فجاء الحفار ودفعه من صدره ، فانثنى وتقوس، صاحب هذا القصر ينام هذه النومة في القبر ، هذه حكمة مِن حِكَم الله عز وجل ، فالمباحات صار الناس الآن يتوسعون بها كثيراً ، وأحسبها من الحجب التي تحجب عن الله تبارك وتعالى . الحجاب التاسع : حجاب أهل الغفلة عن استحضار ما خلقوا له وأريد منهم . فأنت لماذا خلقت في الدنيا ؟ خلقت لمعرفة الله ، وأنت مخلوق للعمل الصالح ، غفل عن سر وجوده وغاية وجوده ، هذا حجاب أهل الغفلة .
آخر حجاب : ذكره فيه إحراج ، إنسان توهم أن الدين كله بهذا الشيء ، فاهتم بهذا الشيء ، وبالغ به ، ونسي بقية فروع الدين ، فقد تجد إنساناً يرى أن الدين فقط فقه ، لـكن الدين عقيدة ، والدين استقامة ، والدين عمل صالح ، الدين صلة بالله . فهو عنده أن الدين فقه فقط ، لا يعرف بالدين إلا الفقه ، وإنسان آخر لا يعرف من الدين إلا التجويد ، والتجويد ضروري وحق ، ولكنه جزء من الدين ، وما هو الدين كله ، إنسان آخر لا يفهم من الدين إلا الرَد على أهل الكفر ، يقول لك : مفكر إسلامي ولكنه لا يصلي . فهم الدين فهماً مشوّهاً ، فأخذ جانباً منه وغفل عن بقية الأشياء ، هذا أيضاً محجوب . هذه عشرة حُجُب : العقيدة الزائغة ، وحجاب الشرك الخفي ، وحجاب البِدَع القولية ، وحجاب البدع العملية ، وحجاب أهل الكبائر الباطنة ، وحجاب أهل الكبائر الظاهرة ، وحجاب أهل الصغائر ، وحجاب أهل التوسُّع في المُباحات ، وحجاب أهل الغَفْلَة ، وحجاب المجتهدين الذين غفلوا عن مقاصد الدين الكبرى .
هذه عشرة حجب تحجب عن الله عز وجل ، والسعادة كل السعادة ، والسلامة كل السلامة ، والأمن كل الأمن ، والفلاح كل الفلاح، والنجاح كل النجاح ، والرضا كل الرضا في طاعة الله ، والقرب منه ، والهلاك والشقاء بالبُعد عنه ، ومخالفة أمره ، فكل شيء يقرّبك مِن الله ينبغي أن تعتني به ، وكل شيء يبعدك عن الله ينبغي أن تبتعد عنه .والحمد لله رب العالمين
* * *